( نضال الاغا ) تصنع احلاماً من ورق

المقاله تحت باب  مقالات فنيه
في 
04/03/2009 06:00 AM
GMT



من التجارب الفنية القليلة والمتميزة التي جمعت ومنذ البدء بين التجريد والمعاصرة تعد اعمال الفنانة التشكيلية العراقية ( نضال الاغا ) والتي  ولدت عام 1948 في بغداد ونالت درجة الماجستير من جامعة هارتفورد بالولايات المتحدة الأمريكية  عام 1983 ، بعد ان حصلت على شهادة البكالوريوس في الرسم من جامعة بغداد أكاديمية الفنون الجميلة 1972  وشهادة اختصاص في رسم وتصميم كتب الاطفال من جامعات  برلين وصوفيا فمذ بدأت  مشاركتها الاولى في اغلب المعارض التشكيلية منتصف السبعينيات من القرن الماضي في داخل العراق وخارجة وهي ماضية في تجاربها لارتياد آفق المغامرة وطرح رؤية فنية تستبطن الذات وتقيم حوارا بين الاشياء في محاولة للاجابة عن اسئلة تؤرقها .

انها تستعد الان لاقامة معرضها التشكيلي الشخصي السابع  في احدى قاعات العرض ببغداد وهو امتداد لاشتغالاتها في معارض سابقة بطريقة الكولاج والتي تمتلك حرارة عاطفية وحسية كبيرة يتجلى ذلك في تحويل الأشياء العادية إلى أشياء مهمة لها بريقها الخاص ، فهي تؤطر مشروعها بنسق جمالي يوفق بين الصياغة العقلانية والخيال التلقائي، مستفيدة من اطلاعها على التجارب التشكيلية العالمية ومن عملها في مجال الطباعة وعالم  رسوم الاطفال الذي يمتاز بالعفوية .
ان اسلوب الفنانة من خلال فن الكولاج وادماج القصاصات اللونية وفق بناء بصري تتحد فيه الصيغ التصويرية ، فانها تؤسس لتجربة تعتمد على ماورائية الذاكرة في شحذ الاثارة الاستذكارية وبحس تعبيري يحفزها على التواصل التفاعلي. فلوحاتها تحاول ان تجسد الاشياء من دون حاجة لتحديد الزمان او المكان لانها وباختصار تريد  البحث بين ما يربط الانسان  ومعاناته في ماضيه  وحاضره ومستقبله ، لذا نرى اغلب اعمالها الفنية تبحث في اعادة صياغة الواقع الذي يتصارع فيه الانسان مع واقعه المادي عبر تكسير هرمية الزمن بالاسترجاع، . يتجلى ذلك في سياحاتها التوليفية فتعمد للاهتمام بالجانب السيميائي الاشاري بالمعنى الحسي للتعبير اذ تزج بما تلتقطه في وجه اللوحة وباصرار عاطفي ورمزي وكأنها تجاهد في التقاط الحلم من داخلها خوف ان يتسرب من بين اصابعها ، لذا نراها تمزج الواقع بالماورائية القصدية بتجريد عالي التكنيك فهي تدرك عن وعي انها تبحث عن لحظة ما في الافق المرئي .

يقول الشاعرأدونيس أن « في الوجود جانبا باطنيا ، لا مرئيا ، مجهولا ، وان معرفته لا تتم بالطرق المنطقية ، العقلانية «. ولان الخيال لدى الفنانة ليس وظيفة حيادية بل هو ذو بعد تفاعلي انساني  نرى إن العالم الذي ترسمه ماهو الا عالم موارب ، و برغم انه عالم مفترض وسحري إلا أن عناصره لا تبتعد عن الواقع بل تغوص بتجريده كي تصطاد ما ترغب من معان لرموزها . 
نلاحظ ذلك الغوص في المجهول وتعدد الاحتمالات التي يخدمها اللون جيداً، حيث يغلب القاتم الطاغي المخترق ببهجة الضوء الموزع في عدة أماكن أو المركز في نقطة واحدة فتبرز اشكال هندسية،  فالدائرة بالوانها المتعددة والمربعات والمثلثات المتتالية تشكل رموزا تعبيرية تبتعد عن المحلية الى عالم اوسع  على خلفية استيعابية ذات لون محايد اقرب ماتكون الى عرض سماوي مفتوح يحتضنها في محاولة للتعبير عن اللامحدود فاغلب اعمال الفنانة (نضال الاغا) تاخذ شكلا طولي التكوين وكأنها تنطلق برموزها نحو السماء الواسعة نحو الخلاص .

انها تحاول ان تلملم بقايا مخزون الذاكرة الذاتي لابداع الوجه الاخرللصورة الغائبة عن الواقع ، فتلك الثيم تستنطق اللون والشكل والمضمون كي تبني عالمها المتميز بتجريديته، المبتعد بفلسفته الجمالية والبصرية عن القوالب التقليدية ، وبنسق موسيقي عفوي لكنه احتجاجي واضح المقاصد. ان اعمالها تتسم دائماً بالصلابة التكوينية والطراوة اللونية  والاضاءة الصحيحة في الوقت ذاته  لكنها لاتخلو من حزن كامن .

ان اعمالها تحتاج الى تذوق عقلي مثلما تحتاج الى تذوق وجداني لفهم عوالمها . فليس سهلا ان يتحول اللامرئي والمهمل الى معنى احتجاجي وجمالي يثير التساؤلات، فالفن هو التجلي لفكرة ما وادراكها تصوريا يبعدها عن ماديتها ،وهو لا يعكس المطلق الا أنعكاسا حدسيا مبهما الى حد ما .